علوم ومعارف - ص. 15

العولمة

مقال من تحرير / إبراهيم بن أحمد بن عبدالرحمن السعيد


شاع حديثا استخدام كلمة ( عولمة  ) ويقصد بها اتجاه الحركة الحضارية نحو سيادة نظام واحد تقوده في الغالب قوة واحدة ولقد عبر عن العولمة بأنها العالمية أو حلم المجتمع الواحد الخالي من المشاكل والحروب مجتمع يسوده السلام وأنماط من السلوك والتصرفات تقتضي كلها الشروع في إذابة الفوارق بما يتلاءم مع حلم المجتمع الواحد

ما هي العولمة ؟

يقول السيد ياسين مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في جريدة الأهرام : "يمكن القول أن صياغة تعريف دقيق للعولمة تبدو مسألة شاقة ، نظرا إلى تعدد تعريفاتها، والتي تتأثر أساسا بانحيازات الباحثين الأيديولوجية ، واتجاهاتهم إزاء العولمة رفضا أو قبولا ويمكن تعريفها بما يلي: إن جوهر عملية العولمة يتمثل في سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع بين الدول على النطاق الكوني.

وفي تعريفه للعولمة يقول الدكتور محمد عابد الجابري المفكر العربي المغربي المعروف " العولمة هي ما بعد الاستعمار وإن ( ما بعد ) هنا لا تعني القطيعة مع الـ( ما قبل ) بل تعني الاستمرار فيه بصورة جديدة كما نقول ( ما بعد الحداثة ) هي معنية بتنمية الفوارق وتعميم الفقر . لأن قاعدتها الاقتصادية تقوم  على إنتاج أكثر ما يمكن من السلع والمصنوعات بأقل ما يمكن من العمال عملا بمبدأ (كثير من الربح وقليل من المأجورين) وهي مرتبطة عضويا مع وسائل الاتصال الحديثة لنشر ثقافتها القائمة على ( ثقافة الاختراق ) وهي ليست نظاما اقتصاديا فقط بل هي أيديولوجيا ونظام يقفز على الدولة والأمة والوطن " .

وفي سياق ليس بعيدا عن سياق الدكتور الجابري ، يعرف الطيب تيزيني العولمة بأنها : " الإمبريالية في مرحلة سقوط التعددية القطبية القائمة على التناقض على الأنماط الاقتصادية والاجتماعية وعصر المعلوماتية وما بعدها . أي في عصر نواجه فيه تحولات جديدة في أشكال الاستغلال والاغتراب الرأسماليين ، وبروز السوق الكوني بوصفه التجسيد العملي والشامل عالميا للعولمة التي تبتلع كل الانتماءات والهويات والقيم ، ويراد لها أن تمر عبرها في مواجهة آلية واحدة وحيدة تحدد نمط ما يجب أن يكون وما لا يكون " .

ويصف الدكتور سعد البازعي العولمة باستبصار واستنارة فيقول " إنها صورة معاصرة لعملية التمدد الجغرافي السياسي والاقتصادي الذي مارسته الدول الأوربية منذ القرن الخامس عشر الميلادي .. العولمة هي الاستعمار بثوب جديد ، ثوب تشكله المصالح الاقتصادية ويحمل قيما تدعم انتشار تلك المصالح وترسخها . إنها الاستعمار بلا هيمنة سياسية مباشرة أو مخالب عسكرية واضحة . إنها بكل بساطة عملية يدفعها الجشع الإنساني للهيمنة على الاقتصاديات المحلية والأسواق وربطها بأنظمة أكبر والحصول على أكبر قدر من المستهلكين وإذا كان البحث عن الأسواق والسعي للتسويق مطلبا إنسانيا قديما وحيويا ومشروعا، فإن ما يحدث هنا يختلف في أنه بحث يمارس منافسة غير متكافئة وربما غير شريفة من ناحية ، ويؤدي من ناحية أخرى إلى إضعاف ما قد يقف في طريقه من قيم وممارسات اقتصادية وثقافية " .

وتسوق موسوعة إنكارتا تعريف تقول فيه : " إن العولمة دمج ودمقرطت ثقافات العالم واقتصادياته وبنياته التحتية من خلال الاستثمارات الدولية وتنمية تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات ، وتأثيرات قوى السوق الحرة على الاقتصاديات المحلية والإقليمية والعالمية .

ويرى الدكتور أحمد التويجري عضو مجلس الشورى أن العولمة مشروع حضاري غربي متكامل البنيات أوجده التلاقي بين التطلعات والحاجات الغربية من جانب والإمكانات المادية الهائلة التي أوجدتها الطفرات الكبيرة في تقنيات الاتصال والمعلومات والصناعات المتقدمة من جانب آخر . وتتمثل أبعاد هذا المشروع الرئيسية في اتجاه فكري يدعو إلى نشر الفلسفة الليبرالية الغربية لتكون أساسا للتصور الإنساني وإلى تعميم النظام السياسي الغربي من الناحية الشكلية ، وإلى فتح الأسواق البشرية وإدارتها وفق التنظيمات الرأسمالية الغربية وتحت سيطرة المنظمات التي يحكمها الغرب مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ، وإلى إغراق العالم بالمنتجات الغربية الإعلامية والمعلوماتية والترفيهية من خلال فرض سياسات الانفتاح ورفع الحواجز الجمركية وإلى تعميم أنماط وعادات العيش الغربية في العلاقات والمأكل والمشرب والملبس .