مقالات حكيمة

قيل في الكذب :

حسب الكذوب من البلية    بعض ما يـحكى عـليه

فـمتى سمعـت بـكذبة          من غـير نسبت إليــه

 

وقيل في الصمت وصون اللسان :

احفظ لسانـك أيهـا الإنسان لا يـلدغنك إنـه ثـعـبان

كم في المقابر من قـتل لـسانه          كانت تـهاب لقاءه الشجعان

 

وقال آخر : 

لـعمرك أن الحـلم زين لأهـله ومـا الحـلم إلا عادة وتحـلم

إذا لم يكن صمت الفتى عن ندامة    وعي فإن الصمت أولى وأسلم

 

ومما قيل في الغيبة :

وسمعك صن عن سماع القبيح          كصون اللسان عن النطق به

فإنك عـند سمـاع القبيـح          شريـك لـقائله فـانتـبه

                          جمع واختيار / سارة بنت إبراهيم بن أحمد السعيد


ابتسم

من أخبار الطفيليين

نظر رجل من الطفيليين إلى قوم من الزنادقة يسار بهم إلى القتل ، فرأى لهم هيئة حسنة ، وثيابا نفيسة ، فظنهم يدعون إلى وليمة ، فتطفل حتى دخل في لفيفهم وصار واحدا منهم ، فلما بلغ صاحب الشرطة قال: " أصلحك الله ، لست والله منهم ، وإنما أنا طفيلي ظننتهم يدعون إلى صنيع فدخلت في جملتهم ! .

فقال ليس هذا مما ينجيك مني ، اضربوا عنقه ! .

فقال : أصلحك الله ، إن كنت ولا بد فاعلا ، فأمر السياف أن يضرب بطني بالسيف فإنه هو الذي ورطني هذه الورطة ! .

فضحك صاحب الشرطة ، وكشف عنه ، فأخبروه أنه طفيلي معروف فخلى سبيله .


اسمه بــحـر

سأل أحد الأعراب آخر عن اسمه ، فقال : بحر .

 قال ابن من ؟ قال ابن فياض .

قال ما كنيتك ؟ فقال : أبو الندى . فقال : لا ينبغي لأحد لقاؤك إلا في زورق !

عبدالعزيز بن عبدالله بن أحمد السعيد


الطفلة الصغيرة المتوكلة على الله

حكي أن حاتما الأصم كان رجلا كثير العيال، وكان له أولاد ذكور وإناث، ولم يكن يملك حبة واحدة، وكان قدمه التوكل . فجلس ذات ليلة مع أصحابه يتحدث معهم فتعرضوا لذكر الحج ، فداخل الشوق قلبه ، ثم دخل على أولاده فجلس معهم يحدثهم ، ثم قال لهم : لو أذنتم لأبيكم أن يذهب إلى بيت ربه في هذا العام حاجا ، ويدعو لكم ، ماذا عليكم لو فعلتم ؟ فقالت زوجته وأولاده : أنت على هذه الحالة لا تملك شيئا ، ونحن على ما ترى من الفاقة ، فكيف تريد ذلك ونحن بهذه الحالة ؟ وكان له ابنة صغيرة فقالت : ماذا عليكم لو أذنتم له ، ولا يهمكم ذلك ، دعوه يذهب حيث شاء فإنه مناول الرزق ، وليس برازق ، فذكرتهم ذلك . فقالوا : صدقت والله هذه الصغيرة يا أبانا ، انطلق حيث أحببت . فقام من وقته وساعته واحرم بالحج ، وخرج مسافرا وأصبح أهل بيته يدخل عليهم جيرانهم يوبخونهم ، كيف أذنوا له بالحج ، وتأسف على فراقه أصحابه وجيرانه، فجعل أولاده يلومون تلك الصغيرة ، ويقولون : لو سكت ما تكلمنا . فرفعت الصغيرة طرفها إلى السماء وقالت : إلهي وسيدي ومولاي عودت القوم بفضلك ، وأنك لا تضيعهم ، فلا تخيبهم ولا تخجلني معهم.

فبينما هم على هذه الحالة إذ خرج أمير البلدة متصيدا فانقطع عن عسكره وأصحابه ، فحصل له عطش شديد فاجتاز بيت الرجل الصالح حاتم الأصم فاستسقى منهم ماء ، وقرع الباب فقالوا : من أنت ؟ قال : الأمير ببابكم يستسقيكم . فرفعت زوجة حاتم رأسها إلى السماء وقالت : الهي وسيدي سبحانك ، البارحة بتنا جياعا ، واليوم يقف الأمير على بابنا يستسقينا ، ثم إنها أخذت كوزا (وعاء صغير للشرب) جديدا وملأته ماء ، وقالت للمتناول منها : اعذرونا ، فأخذ الأمير الكوز وشرب منه فاستطاب الشرب من ذلك الماء فقال : هذه الدار لأمير ، فقال : لا والله ، بل لعبد من عباد الله الصالحين عرف بحاتم الأصم . فقال الأمير : لقد سمعت به . فقال الوزير : يا سيدي لقد سمعت انه البارحة احرم بالحج وسافر ولم يخلف لعياله شيئا ، وأخبرت أنهم البارحة باتوا جياعا . فقال الأمير : ونحن أيضا قد ثقلنا عليهم اليوم ، وليس من المروءة أن يثقل مثلنا على مثلهم . ثم حلّ الأمير منطقته من وسطه ورمى بها في الدار ، ثم قال لأصحاب ه : من أحبني فليلقِ منطقته ، فحل جميع أصحابه مناطقهم ورموا بها إليهم ثم انصرفوا . فقال الوزير السلام عليكم أهل البيت لآتينكم الساعة بثمن هذه المناطق ، فلما نزل الأمير رجع إليهم الوزير ، ودفع إليهم ثمن المناطق مالا جزيلا ، واستردها منهم . فلما رأت الصبية الصغيرة ذلك بكت بكاءً شديدا فقالوا لها : ما هذا البكاء إنما يجب أن تفرحي ، فإن الله وسع علينا . فقالت : يا أم ، والله إنما بكائي كيف بتنا البارحة جياعا ، فنظر إلينا مخلوق نظرة واحدة ، فأغنانا بعد فقرنا ، فالكريم الخالق إذا نظر إلينا لا يكلنا إلى أحد طرفة عين ، اللهم انظر إلى أبينا ودبره بأحسن تدبير .

هذا ما كان من أمرهم . وأما ما كان من أمر حاتم أبيهم فإنه لما خرج محرما ، ولحق بالقوم توجع أمير الركب ، فطلبوا له طبيبا فلم يجدوا ، فقال : هل من عبد صالح ؟ فدلّ على حاتم ، فلما دخل عليه وكلمه دعا له فعوفي الأمير من وقته ، فأمر له بما يركب ، وما يأكل ، وما يشرب . فنام تلك الليلة مفكرا في أمر عياله ، فقيل له في منامه : يا حاتم من أصلح معاملته أصلحنا معاملتنا معه، ثم أخبر بما كان من أمر عياله ، فأكثر الثناء على الله تعالى ، فلما قضى حجه ورجع تلقاه أولاده فعانق الصبية الصغيرة وبكى ثم قال: صغار قوم كبار قوم آخرين وإن الله لا ينظر إلى أكبركم ولكن ينظر إلى أعرفكم به فعليكم بمعرفته والاتكال عليه، فإنه من توكل على الله فهو حسبه .

اختيار .. عبدالحميد بن جاسم بن محمد المكينـزي